الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}. يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلَّذِينِ قَالُوا لَكَ: إِنَّا نَأْتِي بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ: لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ، لَا يَأْتُونَ أَبَدًا بِمِثْلِهِ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَوْنًا وَظَهِيرًا. وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبِ قَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ جَادَلُوهُ فِي الْقُرْآنِ، وَسَأَلُوهُ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ غَيْرِهِ شَاهِدَةٍ لَهُ عَلَى نُبُوَّتِهِ، لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْقُرْآنِ بِهِمْ قُدْرَةٌ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِهِ. ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا يُونُسُ بْنُ بِكِيرٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: ثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَوْ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْمُودُ بْنُ سَيَحَانَ وَعُمَرُ بْنُ أَضَا وَبَحْرِيُّ بْنُ عَمْرٍو، وَعُزَيْزُ بْنُ أَبِي عُزَيْزٍ، وَسَلَامُ بْنُ مِشْكَمٍ، فَقَالُوا: أَخْبِرْنَا يَا مُحَمَّدُ بِهَذَا الَّذِي جِئْتَنَا بِهِ، حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّا لَا نَرَاهُ مُتَنَاسِقًا كَمَا تَنَاسُقُ التَّوْرَاةِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ أَمَا وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَتَعْرِفُونَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ، وَلَوِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ مَا جَاءُوا بِهِ، فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَهُمْ جَمِيعًا: فِنْحاصُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَا، وَكِنَانَةُ بْنُ أَبِي الْحَقِيقِ، وَأَشْيَعُ، وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ، وَسَمَوْءَلُ بْنُ زَيْدٍ، وَجَبَلُ بْنُ عَمْرٍو: يَا مُحَمَّدُ مَا يُعَلِّمُكَ هَذَا، إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ يَصْنَعُ لِرَسُولِهِ إِذَا بَعَثَهُ مَا شَاءَ، وَيَقْدِرُ مِنْهُ عَلَى مَا أَرَادَ، فَأَنْزِلْ عَلَيْنَا كِتَابًا تَقْرَؤُهُ وَنَعْرِفُهُ، وَإِلَّا جِئْنَاكَ بِمِثْلِ مَا تَأْتِي بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ وَفِيمَا قَالُوا {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلَهُ {لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ}.... إِلَى قَوْلِهِ {وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} قَالَ: مُعِينًا، قَالَ: يَقُولُ: لَوْ بَرَزَتِ الْجِنُّ وَأَعَانَهُمُ الْإِنْسُ، فَتَظَاهَرُوا لَمْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} رَفْعٌ، وَهُوَ جَوَابٌ لِقَوْلِهِ “ لَئِنْ “، لِأَنَّ الْعَرَبَ إِذَا أَجَابَتْ "لَئِن" بَلَا رَفَعُوا مَا بَعْدَهَا، لِأَنَّ “ لَئِنْ “ كَالْيَمِينِ وَجَوَابُ الْيَمِينِ بِلَا مَرْفُوعٌ، وَرَبُّمَا جُزِمَ لِأَنَّ الَّتِي يُجَابُ بِهَا زِيدَتْ عَلَيْهِ لَامٌ، كَمَا قَالَ الْأَعْشَى: لَئِـنْ مُنِيـتَ بِنـا عَـنْ غِـبِّ مَعْرَكَةٍ *** لَا تَلْفَنَـا عَـنْ دِمـاءِ الْقَـوْمِ نَنْتَفِـلُ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرَهُ: وَلَقَدْ بَيَّنَّا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ، احْتِجَاجًا بِذَلِكَ كُلِّهِ عَلَيْهِمْ، وَتَذْكِيرًا لَهُمْ، وَتَنْبِيهًا عَلَى الْحَقِّ لِيُتْبِعُوهُ وَيَعْمَلُوا بِهِ {فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} يَقُولُ: فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا جُحُودًا لِلْحَقِّ، وَإِنْكَارًا لِحُجَجِ اللَّهِ وَأَدِلَّتِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ، الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مِنْ قَوْمِكَ لَكَ: لَنْ نُصَدِّقَكَ، حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ أَرْضِنَا هَذِهِ عَيْنًاتَنْبُعُ لَنَا بِالْمَاءِ. وَقَوْلُهُ (يَنْبُوعًا) يَفْعُوَل مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: نَبَعَ الْمَاءُ: إِذَا ظَهَرَ وَفَارَ، يَنْبُعُ وَيَنْبَعُ، وَهُوَ مَا نَبَعَ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ {حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا}: أَيْ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ عُيُونًا: أَيْ بِبَلَدِنَا هَذَا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ {حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} قَالَ: عُيُونًا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ (يَنْبُوعًا) قَالَ: عُيُونًا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ (تَفْجُرَ) فَرَوِيَّ عَنْ إِبْرَاهِيمِ النَّخْعِيِّ أَنَّهُ قَرَأَ {حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا} خَفِيفَةٌ وَقَوْلُهُ {فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا} بِالتَّشْدِيدِ، وَكَذَلِكَ كَانَتْ قِرَاءُ الْكُوفِيِّينَ يَقْرَءُونَهَا، فَكَأَنَّهُمْ ذَهَبُوا بِتَخْفِيفِهِمُ الْأُولَى إِلَى مَعْنَى: حَتَّى تَفَجَّرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ مَاءً مَرَّةً وَاحِدَةً. وَبِتَشْدِيدِهِمُ الثَّانِيَةَ إِلَى أَنَّهَا تُفَجِّرُ فِي أَمَاكِنٍ شَتَّى، مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، إِذَا كَانَ ذَلِكَ تَفَجُّرُ أَنْهَارٍ لَا نَهْرٍ وَاحِدٍ وَالتَّخْفِيفُ فِي الْأُولَى وَالتَّشْدِيدُ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى مَا ذَكَرْتُ مِنْ قِرَاءَةِ الْكُوفِيِّينَ أَعْجَبُ إِلَيَّ لِمَا ذَكَرْتُ مِنَ افْتِرَاقِ مَعْنَيَيْهِمَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْأُولَى مَدْفُوعَةً صِحَّتَهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرَهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَقَالَ لَكَ يَا مُحَمَّدُ مُشْرِكُو قَوْمِكَ: لَنْ نُصَدِّقَكَ حَتَّى تَسْتَنْبِطَ لَنَا عَيْنًا مِنْ أَرْضِنَا، تَدْفُقُ بِالْمَاءِ أَوْ تَفُورُ، أَوْ يَكُونُ لَكَ بُسْتَانٌ، وَهُوَ الْجَنَّةُ، مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ، فَتُفَجِّرُ الْأَنْهَارُ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا بِأَرْضِنَا هَذِهِ الَّتِي نَحْنُ بِهَا خِلَالَهَا، يَعْنِي: خِلَالَ النَّخِيلِ وَالْكُرُومِ، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ {خِلَالَهَا تَفْجِيرًا} بَيْنَهَا فِي أُصُولِهَا تَفْجِيرًا بِسَبَبِ أَبْنِيَتِهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا}. اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ (كِسَفًا) فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ بِسُكُونِ السِّينِ، بِمَعْنَى: أَوْ تَسْقُطُ السَّمَاءُ كَمَا زَعَمَتْ عَلَيْنَا كِسْفًا، وَذَلِكَ أَنَّ الْكِسْفَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: جَمْعُ كِسْفَةٍ، وَهُوَ جَمْعُ الْكَثِيرِ مِنَ الْعَدَدِ لِلْجِنْسِ، كَمَا تَجْمَعُ السِّدْرَةَ بِسِدْرٍ، وَالتَّمْرَ بِتَمْرٍ، فَحُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ سَمَاعًا: أَعْطِنِي كِسْفَةً مِنْ هَذَا الثَّوْبِ: أَيْ قِطْعَةً مِنْهُ، يُقَالُ مِنْهُ: جَاءَنَا بِثَرِيدٍ كِسْفٍ: أَيْ قِطَعِ خُبْزٍ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ “ كِسْفًا “ بِسُكُونِ السِّينِ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ الْمَصْدَرَ مَنْ كَسَفَ. فَأَمَّا الْكِسَفُ بِفَتْحِ السِّينِ، فَإِنَّهُ جَمْعٌ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى الْعَشْرِ، يُقَالُ: كِسَفةٌ وَاحِدَةٌ، وَثَلَاثُ كِسَفٍ، وَكَذَلِكَ إِلَى الْعَشْرِ، وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ (كِسَفًا) بِفَتْحِ السِّينِ بِمَعْنَى: جَمْعُ الْكِسْفَةِ الْوَاحِدَةِ مِنَ الثَّلَاثِ إِلَى الْعَشْرِ، يَعْنِي بِذَلِكَ قِطَعًا: مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى الْعَشْرِ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ بِسُكُونِ السِّينِ، لِأَنَّ الَّذِينَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، لَمْ يَقْصِدُوا فِي مَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِحَدٍّ مَعْلُومٍ مِنَ الْقِطَعِ، إِنَّمَا سَأَلُوا أَنْ يُسْقِطَ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ قِطَعًا، وَبِذَلِكَ جَاءَ التَّأْوِيلُ أَيْضًا عَنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ (كِسْفًا) قَالَ: السَّمَاءُ جَمِيعًا.
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ {كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا} قَالَ: مَرَّةً وَاحِدَةً، وَالَّتِي فِي الرُّومِ {وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا} قَالَ: قِطَعًا، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: كِسَفًا لِقَوْلِ اللَّهِ {إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ}. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا} قَالَ: أَيْ قِطَعًا. حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ (كِسَفًا) يَقُولُ: قِطَعًا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ (كِسَفًا) قَالَ: قِطَعًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنَى أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا} يَعْنِي قِطَعًا. الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: “ {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا} “. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْقِيلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لِنَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْقَبِيلِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ وَالْمَلَائِكَةُ كُلَّ قَبِيلَةٍ مِنَّا قَبِيلَةً قَبِيلَةٍ، فَيُعَايِنُونُهُمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ {وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا} قَالَ: عَلَى حِدَتِنَا، كُلّ قَبِيلَةٍ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَى حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا} قَالَ: قَبَائِلُ عَلَى حِدَتِهَا كُلُّ قَبِيلَةٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ عَيَانًا نُقَابِلُهُمْ مُقَابَلَةً، فُنَعَايِنُهُمْ مُعَايَنَةً.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا} نُعَايِنُهُمْ مُعَايَنَةً. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا} فُنَعَايِنُهُمْ. وَوَجَّهَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى الْكَفِيلِ مِنْ قَوْلِهِمْ: هُوَ قَبِيلُ فُلَانٍ بِمَا لِفُلَانٍ عَلَيْهِ وَزَعِيمِهِ. وَأَشْبَهُ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ قَتَادَةُ مِنْ أَنَّهُ بِمَعْنَى الْمُعَايَنَةِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: قَابَلْتُ فُلَانًا مُقَابَلَةً، وَفُلَانٌ قُبَيْلَ فُلَانٍ، بِمَعْنَى قُبَالَتَهُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: نُصَـالِحُكُمْ حَـتَّى تَبُـوءُوا بِمِثْلِهَـا *** كَصَرْخَـةِ حُـبْلَى يَسَّـرَتْهَا قَبِيلُهَـا يَعْنِي قَابِلَتَهَا. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ: إِذَا وَصَفُوا بِتَقْدِيرِ فَعِيلَ مِنْ قَوْلِهِمْ قَابَلْتُ وَنَحْوَهَا، جَعَلُوا لَفْظَ صِفَةِ الِاثْنَيْنِ وَالْجَمِيعِ مِنَ الْمُؤَنَّثِ وَالْمُذَكِّرِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ، نَحْوَ قَوْلِهِمْ: هَذِهِ قَبِيلِي، وَهُمَا قَبِيلِي، وَهُمْ قَبِيلِي، وَهُنَّ قَبِيلِي.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبَرًا عَنِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ ذَكَرْنَا أَمْرَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ: أَوْ يَكُونُ لَكَ يَا مُحَمَّدُ بَيْتٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَهُوَ الزُّخْرُفُ. كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ} يَقُولُ: بَيْتٌ مِنْ ذَهَبٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ {مِنْ زُخْرُفٍ} قَالَ: مِنْ ذَهَبٍ.
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ} وَالزُّخْرُفُ هُنَا: الذَّهَبُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ} قَالَ: مِنْ ذَهَبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الْحَكَمِ قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: كُنَّا لَا نَدْرِي مَا الزُّخْرُفُ حَتَّى رَأَيْنَاهُ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: “ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ ذَهَبٍ “. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: لَمْ أَدْرِ مَا الزُّخْرُفُ، حَتَّى سَمِعْنَا فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: “ بَيْتٌ مِنْ ذَهَبٍ “. وَقَوْلُهُ {أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ} يَعْنِي: أَوْ تَصْعَدُ فِي دَرَجٍ إِلَى السَّمَاءِ، وَإِنَّمَا قِيلَ فِي السَّمَاءِ، وَإِنَّمَا يَرْقَى إِلَيْهَا لَا فِيهَا، لِأَنَّ الْقَوْمَ قَالُوا: أَوْ تَرْقَى فِي سُلَّمٍ إِلَى السَّمَاءِ، فَأُدْخِلَتْ “ فِي “ فِي الْكَلَامِ لِيَدُلَّ عَلَى مَعْنَى الْكَلَامِ، يُقَالُ: رَقِيتُ فِي السُّلَّمِ، فَأَنَا أَرْقَى رَقَّيَا ورِقْيًا وَرُقِيًّا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: أَنْـتَ الَّـذِي كَـلَّفْتَنِي رَقْـيَ الـدَّرَجِ *** عَـلَى الْكِـلَالِ وَالْمَشِـيبِ وَالْعَـرْجِ وَقَوْلُهُ {وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ} يَقُولُ: وَلَنْ نُصَدِّقَكَ مِنْ أَجْلِ رُقِيِّكَ إِلَى السَّمَاءِ {حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا} مَنْشُورًا نَقْرَؤُهُ فِيهِ أَمْرُنَا بِاتِّبَاعِكَ وَالْإِيمَانِ بِكَ. كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَا ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ {كِتَابًا نَقْرَؤُهُ} قَالَ: مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِلَى فُلَانٍ، عِنْدَ كُلِّ رَجُلٍ صَحِيفَةٍ تُصْبِحُ عِنْدَ رَأْسِهِ يَقْرَؤُهَا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: كِتَابًا نَقْرَؤُهُ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقَالَ أَيْضًا: تُصْبِحُ عِنْدَ رَأْسِهِ مَوْضُوعَةٌ يَقْرَؤُهَا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ {حَتَّى تُنْزِلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ}: أَيْ كِتَابًا خَاصًّا نُؤْمَرُ فِيهِ بِاتِّبَاعِكَ. وَقَوْلُهُ {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ، الْقَائِلِينَ لَكَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ، تَنْزِيهًا لِلَّهِ عَمَّا يَصِفُونَهُ بِهِ، وَتَعْظِيمًا لَهُ مِنْ أَنْ يُؤْتَى بِهِ وَمَلَائِكَتُهُ، أَوْ يَكُونَ لِي سَبِيلٌ إِلَى شَيْءٍ مِمَّا تَسْأَلُونِيهِ {هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} يَقُولُ: هَلْ أَنَا إِلَّا عَبْدٌ مِنْ عُبَيْدِهِ مَنْ بُنِيَ آدَمَ، فَكَيْفَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مَا سَأَلْتُمُونِي مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَإِنَّمَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا خَالِقِي وَخَالِقكُمْ، وَإِنَّمَا أَنَا رَسُولٌ أُبَلِّغُكُمْ مَا أَرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ، وَالَّذِي سَأَلْتُمُونِي أَنْ أَفْعَلَهُ بِيَدِ اللَّهِ الَّذِي أَنَا وَأَنْتُمْ عُبَيْدٌ لَهُ، لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهُ. وَهَذَا الْكَلَامُ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ كَلَّمَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذَكَرَ كَانَ مِنْ مَلَإٍ مِنْ قُرَيْشٍ اجْتَمَعُوا لِمُنَاظَرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُحَاجَّتِهِ، فَكَلَّمُوهُ بِمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ.. ذَكَرَ تَسْمِيَةَ الَّذِينَ نَاظَرُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ مِنْهُمْ وَالسَّبَبُ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ نَاظَرُوهُ بِهِ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا يُونُسُ بْنُ بِكِيرٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، قَدِمَ مُنْذُ بِضْعٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ وَأَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَرَجُلًا مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ وَأَبَا الْبَخْتَرِيِّ أَخَا بَنِي أَسَدٍ، وَالْأَسْوَدَ بْنِ الْمُطَّلِبِ، وَزَمْعَةَ بْنَ الْأَسْودِ، وَالْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، وَأَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، وَالْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ، وَنُبَيهًا وَمُنَبِّهًا ابْنَيِ الْحَجَّاجِ السَّهْمِيَّيْنِ اجْتَمَعُوا، أَوْ مَنِ اجْتَمَعَ مِنْهُمْ، بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عِنْدَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ابْعَثُوا إِلَى مُحَمَّدٍ فَكَلِّمُوهُ وَخَاصِمُوهُ حَتَّى تُعَذَّرُوا فِيهِ، فَبَعَثُوا إِلَيْهِ: إِنَّ أَشْرَافَ قَوْمِكَ قَدِ اجْتَمَعُوا إِلَيْكَ لِيُكَلِّمُوكَ، فَجَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيعًا، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ بَدَا لَهُمْ فِي أَمْرِهِ بَدَاءً، وَكَانَ عَلَيْهِمْ حَرِيصًا، يُحِبُّ رُشْدَهُمْ وَيَعِزُّ عَلَيْهِ عَنَتْهُمْ، حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إِنَّا قَدْ بَعَثَنَا إِلَيْكَ لِنُعَذَّرَ فِيكَ، وَإِنَّا وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ أَدْخَلَ عَلَى قَوْمِهِ مَا أَدْخَلْتَ عَلَى قَوْمِكَ، لَقَدْ شَتَمْتَ الْآبَاءَ، وَعِبْتَ الدِّينَ، وَسَفَّهْتَ الْأَحْلَامَ، وَشَتَمْتَ الْآلِهَةَ، وَفَرَّقْتَ الْجَمَاعَةَ، فَمَا بَقِيَ أَمْرٌ قَبِيحٌ إِلَّا وَقَدْ جِئْتَهُ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ، فَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا جِئْتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ تَطْلُبُ مَالًا جَمْعُنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا حَتَّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تَطْلُبُ الشَّرَفَ فِينَا سَوَّدْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ مُلْكًا مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ بِمَا يَأْتِيكَ بِهِ رَئْيًا تَرَاهُ قَدْ غَلَبَ عَلَيْكَ وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ التَّابِعَ مِنَ الْجِنِّ: الرَّئْيَّ، فَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ، بِذَلْنَا أَمْوَالنَا فِي طَلَبِ الطِّبِّ لَكَ حَتَّى نُبْرِئَكَ مِنْهُ، أَوْ نُعَذَّرَ فِيكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ مَا بِي مَا تَقُولُونَ، مَا جِئْتُكُمْ بِمَا جِئْتُكُمْ بِهِ أَطْلُبُ أمْوَالَكُمْ، وَلَا الشَّرَفَ فِيكُمْ وَلَا الْمُلْكَ عَلَيْكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ رَسُولًا وَأَنْزَلَ عِلِيَّ كِتَابًا، وَأَمَرَنِي أَنْ أَكُونَ لَكُمْ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَبَلَّغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي، وَنَصَحْتُ لَكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوا مِنِّي مَا جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عِلِيَّ أَصْبِرْ لِأَمْرِ اللَّهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ “، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، فَإِنْ كُنْتَ غَيْرَ قَابِلٍ مِنَّا مَا عَرَضْنَا عَلَيْكَ، فَقَدْ عَلِمَتْ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَضْيَقَ بِلَادًا، وَلَا أَقَلَّ مَالًا وَلَا أَشَدَّ عَيْشًا مِنَّا، فَسَلْ رَبَّكَ الَّذِي بَعَثَكَ بِمَا بَعَثَكَ بِهِ، فَلْيُسَيِّرْ عَنَّا هَذِهِ الْجِبَالَ الَّتِي قَدْ ضَيَّقَتْ عَلَيْنَا، وَيَبْسُطُ لَنَا بِلَادُنَا، وَلِيُفَجِّرَ لَنَا فِيهَا أَنْهَارًا كَأَنْهَارِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، وَلِيَبْعَثْ لَنَا مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِنَا، وَلْيَكُنْ فِيمَنْ يَبْعَثُ لَنَا مِنْهُمْ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ، فَإِنَّهُ كَانَ شَيْخًا صَدُوقًا، فَنَسْأَلُهُمْ عَمَّا تَقُولُ، حَقٌّ هُوَ أَمْ بَاطِلٌ؟ فَإِنْ صَنَعْتَ مَا سَأَلْنَاكَ، وَصَدَّقُوكَ صَدَّقْنَاكَ، وَعَرَفْنَا بِهِ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ اللَّهِ، وَأَنَّهُ بَعَثَكَ بِالْحَقِّ رَسُولًا كَمَا تَقُولُ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا بِهَذَا بُعِثْتُ، إِنَّمَا جِئْتُكُمْ مِنَ اللَّهِ بِمَا بَعَثَنِي بِهِ، فَقَدْ بَلَّغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوهُ فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عِلِيَّ أَصْبِرْ لِأَمْرِ اللَّهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ “ قَالُوا: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ لَنَا هَذَا، فَخُذْ لِنَفْسِكَ، فَسَلْ رَبَّكَ أَنْ يَبْعَثَ مَلِكًا يُصَدِّقُكَ بِمَا تَقُولُ، وَيُرَاجِعُنَا عَنْكَ، وَاسْأَلْهُ فَلْيُجْعَلْ لَكَ جِنَانًا وَكُنُوزًا وَقُصُورًا مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَيُغْنِيكَ بِهَا عَمَّا نَرَاكَ تَبْتَغِي، فَإِنَّكَ تَقُومُ بِالْأَسْوَاقِ، وَتَلْتَمِسُ الْمَعَاشَ كَمَا نَلْتَمِسُهُ، حَتَّى نَعْرِفَ فَضْلَ مَنْزِلَتِكَ مِنْ رَبِّكِ إِنْ كُنْتَ رَسُولًا كَمَا تَزْعُمُ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، مَا أَنَا بِالَّذِي يَسْأَلُ رَبَّهُ هَذَا، وَمَا بُعِثْتُ إِلَيْكُمْ بِهَذَا، وَلَكِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَإِنْ تَقْبَلُوا مَا جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلىَّ أَصْبِرْ لِأَمْرِ اللَّهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ قَالُوا: فَأَسْقِطِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا كِسَفًا، كَمَا زَعَمْتَ أَنَّ رَبَّكَ إِنْ شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّا لَا نُؤْمِنُ لَكَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ فَعَلَ بِكُمْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، فَمَا عَلِمَ رَبُّكَ أَنَّا سَنَجْلِسُ مَعَكَ، وَنَسْأَلُكَ عَمًّا سَأَلْنَاكَ عَنْهُ، وَنَطْلُبُ مِنْكَ مَا نَطْلُبُ، فَيَتَقَدَّمُ إِلَيْكَ، وَيُعَلِّمُكَ مَا تُرَاجِعُنَا بِهِ، وَيُخْبِرُكَ مَا هُوَ صَانِعٌ فِي ذَلِكَ بِنَا إِذْ لَمْ نَقْبَلْ مِنْكَ مَا جِئْتِنَا بِهِ، فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُ إِنَّمَا يُعَلِّمُكَ هَذَا رَجُلٌ بِالْيَمَامَةِ يُقَالُ لَهُ الرَّحْمَنُ، وَإِنَّا وَاللَّهِ مَا نُؤْمِنُ بِالرَّحْمَنِ أَبَدًا، أَعذرْنَا إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ، أَمَا وَاللَّهِ لَا نَتْرُكُكَ وَمَا بَلَغَتْ مِنَّا حَتَّى نُهْلِكَكَ أَوْ تُهْلِكَنَا، وَقَالَ قَائِلُهُمْ: نَحْنُ نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ، وَهُنَّ بَنَاتُ اللَّهِ، وَقَالَ قَائِلُهُمْ: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَأْتِيَنَا بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا. فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ، وَقَامَ مَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغَيَّرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ، وَهُوَ ابْنُ عَمَّتِهِ هُوَ لِعَاتِكَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ عَرَضَ عَلَيْكَ قَوْمُكَ مَا عَرَضُوا فَلَمْ تَقْبَلْهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوكَ لِأَنْفُسِهِمْ أُمُورًا، لِيَعْرِفُوا مَنْزِلَتَكَ مِنَ اللَّهِ فَلَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ، ثُمَّ سَأَلُوكَ أَنْ تُعَجِّلَ مَا تُخَوِّفُهُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ، فَوَاللَّهِ لَا أُومِنُ لَكَ أَبَدًا، حَتَّى تَتَّخِذَ إِلَى السَّمَاءِ سُلَّمًا تَرْقَى فِيهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ حَتَّى تَأْتِيَهَا، وَتَأْتِيَ مَعَكَ بِنُسْخَةٍ مَنْشُورَةٍ مَعَكَ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَشْهَدُونَ لَكَ أَنَّكَ كَمَا تَقُولُ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَظَنَنْتُ أَلَّا أُصَدِّقُكَ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِهِ حَزِينًا أَسَيْفَا لِمَا فَاتَهُ مِمَّا كَانَ يَطْمَعُ فِيهِ مِنْ قَوْمِهِ حِينَ دَعَوْهُ، وَلِمَا رَأَى مِنْ مُبَاعَدَتِهِمْ إِيَّاهُ، فَلَمَّا قَامَ عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ أَبَى إِلَّا مَا تَرَوْنَ مِنْ عَيْبِ دِينِنَا، وَشَتْمِ آبَائِنَا، وَتَسْفِيهِ أَحْلَامِنَا، وَسَبِّ آلِهَتِنَا، وَإِنِّي أُعَاهِدُ اللَّهَ لَأَجْلِسَنَّ لَهُ غَدًا بِحَجَرٍ قَدْرِ مَا أُطِيقُ حَمْلَهُ، فَإِذَا سَجَدَ فِي صَلَاتِهِ فَضَخْتُ رَأْسَهُ بِه». حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَوْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَأَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ أَبْنَاءَ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَأَبَا الْبَخْتَريِّ بْنَ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} قَالَ: قُلْتُ لَهُ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، قَالَ: قَدْ زَعَمُوا ذَلِكَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا مَنَعَ يَا مُحَمَّدُ مُشْرِكِي قَوْمِكَ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ، وَبِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ {إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى} يَقُولُ: إِذْ جَاءَهُمُ الْبَيَانُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِحَقِيقَةِ مَا تَدْعُوهُمْ وَصِحَّةِ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ، إِلَّا قَوْلَهُمْ جَهْلًا مِنْهُمْ {أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا} فَإِنَّ الْأَوْلَى فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِوُقُوعٍ مَنْعٍ عَلَيْهَا، وَالثَّانِيَةُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، لِأَنَّ الْفِعْلَ لَهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَبَوُا الْإِيمَانَ بِكَ وَتَصْدِيقِكَ فِيمَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِي، اسْتِنْكَارًا لِأَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ رَسُولًا مِنَ الْبَشَرِ: لَوْ كَانَ أَيُّهَا النَّاسُ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطَمْئِنِينَ، لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًالِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ إِنَّمَا تَرَاهُمْ أَمْثَالَهُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَمَنْ خَصَّهُ اللَّهُ مِنْ بَنِي آدَمَ بِرُؤْيَتِهَا، فَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى رُؤْيَتِهَا فَكَيْفَ يَبْعَثُ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الرُّسُلَ، وَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى رُؤْيَتِهِمْ وَهُمْ بِهَيْئَاتِهِمُ الَّتِي خَلَقَهُمُ اللَّهُ بِهَا، وَإِنَّمَا يُرْسِلُ إِلَى الْبَشَرِ الرَّسُولَ مِنْهُمْ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ، ثُمَّ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رَسُولًا أَرْسَلْنَاهُ مِنْهُمْ مَلَكًا مِثْلَهُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلْقَائِلِينَ لَكَ {أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا} {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} فَإِنَّهُ نَعِمَ الْكَافِي وَالْحَاكِمُ {إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا} يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ ذُو خِبْرَةٍ وَعِلْمٍ بِأُمُورِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ، وَالْمُحِقِّ مِنْهُمْ وَالْمُبْطِلِ، والْمَهْدِيُّ وَالضَّالّ (بَصِيرًا) بِتَدْبِيرِهِمْ وَسِيَاسَتِهِمْ وَتَصْرِيفِهِمْ فِيمَا شَاءَ، وَكَيْفَ شَاءَ وَأَحَبَّ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أُمُورِهِمْ، وَهُوَ مُجَازٍ جَمِيعَهُمْ بِمَا قَدَّمَ عِنْدَ وَرَوْدِهِمْ عَلَيْهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ يَا مُحَمَّدُ لِلْإِيمَانِ بِهِ، وَلِتَصْدِيقِكَ وَتَصْدِيقِ مَا جِئْتَ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ، فَوَفَّقَهُ لِذَلِكَ، فَهُوَ الْمُهْتَدِ الرَّشِيدُ الْمُصِيبُ الْحَقَّ، لَا مَنْ هَدَاهُ غَيْرُهُ، فَإِنَّ الْهِدَايَةَ بِيَدِهِ. {وَمَنْ يُضْلِلِ} يَقُولُ: وَمَنْ يُضَلِّلُهُ اللَّهُ عَنِ الْحَقِّ، فَيَخْذُلُهُ عَنْ إِصَابَتِهِ، وَلَمْ يُوَفِّقْهُ لِلْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَتَصْدِيقِ رَسُولِهِ، فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ، إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عُقُوبَتَهُمْ وَالِاسْتِنْقَاذَ مِنْهُمْ. {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} يَقُولُ: وَنَجْمَعُهُمْ بِمَوْقِفِ الْقِيَامَةِ مِنْ بَعْدِ تَفَرُّقِهِمْ فِي الْقُبُورِ عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ {عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا} وَهُوَ جَمْعُ أَبْكَمَ، وَيَعْنِي بِالْبُكْمِ: الْخُرْسَ. كَمَا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ (وَبُكْمًا) قَالَ: الْخُرْسُ (وَصُمًّا) وَهُوَ جَمْعُ أَصَمَّ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَوَصْفَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ بِأَنَّهُمْ يَحْشُرُونَ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا، وَقَدْ قَالَ {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ، وَقَالَ {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ وَيَنْطِقُونَ؟ قِيلَ: جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْعَمَى وَالْبكْمِ وَالصَّمَمِ يَكُونُ صِفَتَهُمْ فِي حَالِ حَشْرِهِمْ إِلَى مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يُجْعَلُ لَهُمْ أَسْمَاعٌ وَأَبْصَارٌ وَمَنْطِقٌ فِي أَحْوَالٍ أُخَرَ غَيْرِ حَالِ الْحَشْرِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ، كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْخَبَرِ الَّذِي حَدَّثَنِيهِ عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا} ثُمَّ قَالَ {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا} وَقَالَ {سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} وَقَالَ {دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} أَمَّا قَوْلُهُ (عُمْيًا) فَلَا يَرَوْنَ شَيْئًا يَسُرُّهُمْ. وَقَوْلُهُ (بُكْمًا) لَا يَنْطِقُونَ بِحُجَّةٍ، وَقَوْلُهُ (صُمًّا) لَا يَسْمَعُونَ شَيْئًا يَسُرُّهُمْ، وَقَوْلُهُ {مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَمَصِيرُهُمْ إِلَى جَهَنَّمَ، وَفِيهَا مَسَاكِنُهُمْ، وَهُمْ وَقُودُهَا. كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} يَعْنِي إِنَّهُمْ وَقُودُهَا. وَقَوْلُهُ {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} يَعْنِي بِقَوْلِهِ خَبَتْ: لَانَتْ وَسَكَنَتْ، كَمَا قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ الْعَبَّادِيُّ فِي وَصْفِ مُزْنَةٍ: وَسْـطُهُ كـالْيَرَاعِ أَوْ سُـرُجِ الْمِجْـدَلِ *** حِينًـا يَخْـبُو وحِينًـا يُنِـيرُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ: يَخْبُو السَّرْجَ: أَنَّهَا تَلِينُ وَتَضْعُفُ أَحْيَانًا، وَتَقْوَى وَتُنِيرُ أُخْرَى، وَمِنْهُ قَوْلُ الْقَطَامِيِّ: فَيَخْبُو سَاعَةً وَيَهُبُّ سَاعًا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْهُمْ فِي الْعِبَارَةِ عَنْ تَأْوِيلِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ {كُلَّمَا خَبَتْ} قَالَ: سَكَنَتْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} يَقُولُ: كُلَّمَا أَحْرَقَتْهُمْ تُسَعَّرُ بِهِمْ حَطَبًا، فَإِذَا أَحْرَقَتْهُمْ فَلَمْ تُبْقَ مِنْهُمْ شَيْئًا صَارَتْ جَمْرًا تَتَوَهَّجُ، فَذَلِكَ خُبُوُّهَا، فَإِذَا بُدِّلُوا خَلْقًا جَدِيدًا عَاوَدَتْهُمْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنْ مُجَاهِدٍ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {كُلَّمَا خَبَتْ} قَالَ: خُبُوُّهَا أَنَّهَا تُسَعَّرُ بِهِمْ حَطَبًا، فَإِذَا أَحْرَقَتْهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ شَيْءٌ صَارَتْ جَمْرًا تَتَوَهَّجُ، فَإِذَا بُدِّلُوا خَلْقًا جَدِيدًا عَاوَدَتْهُمْ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} يَقُولُ: كُلَّمَا احْتَرَقَتْ جُلُودُهُمْ بُدِّلُوا جُلُودًا غَيْرَهَا، لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} قَالَ: كُلَّمَا لَانَ مِنْهَا شَيْءٌ. حُدِّثَتْ عَنْ مَرْوَانَ، عَنْ جُويَبرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ {كُلَّمَا خَبَتْ} قَالَ: سَكَنَتْ. وَقَوْلُهُ {زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} يَقُولُ: زِدْنَا هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ سَعِيرًا، وَذَلِكَ إِسْعَارُ النَّارِ عَلَيْهِمْ وَالْتِهَابُهَا فِيهِمْ وَتَأَجُّجُهَا بَعْدَ خُبُوِّهَا، فِي أَجْسَامِهِمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذَا الَّذِي وَصَفْنَا مِنْ فِعْلِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ، مَا ذَكَرْتُ أَنَّا نَفْعَلُ بِهِمْ مِنْ حَشْرِهِمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا، وَإِصْلَائِنَا إِيَّاهُمُ النَّارَ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ حَالَتِهِمْ، فِيهَا ثَوَابُهُمْ بِكُفْرِهِمْ فِي الدُّنْيَا بِآيَاتِنَا، يَعْنِي بِأَدِلَّتِهِ وَحُجَجِهِ، وَهُمْ رُسُلُهُ الَّذِينَ دَعَوْهُمْ إِلَى عِبَادَتِهِ، وَإِفْرَادِهِمْ إِيَّاهُ بِالْأُلُوهَةِ دُونَ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ، وَبِقَوْلِهِمْ إِذَا أُمِرُوا بِالْإِيمَانِ بِالْمِيعَادِ، وَبِثَوَابِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ فِي الْآخِرَةِ {أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا} بَالِيَةً (وَرُفَاتًا) قَدْ صِرْنَا تُرَابًا {أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} يَقُولُونَ: نُبْعَثُ بَعْدَ ذَلِكَ خَلْقًا جَدِيدًا. كَمَا ابْتَدأْنَاهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ فِي الدُّنْيَا اسْتِنْكَارًا مِنْهُمْ لِذَلِكَ، وَاسْتِعْظَامًا وَتَعَجُّبًا مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْلَمَ يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} بِعُيُونِ قُلُوبِهِمْ، فَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَابْتَدَعَهَا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ، وَأَقَامَهَا بِقُدْرَتِهِ، قَادِرٌ بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ أَشْكَالَهُمْ، وَأَمْثَالَهُمْ مِنَ الْخَلْقِ بَعْدَ فَنَائِهِمْ، وَقَبْلَ ذَلِكَ، وَأَنَّ مِنْ قَدِرَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ إِعَادَتَهُمْ خَلْقًا جَدِيدًا، بَعْدَ أَنْ يَصِيرُوا عِظَامًا وَرُفَاتًا، وَقَوْلُهُ {وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَعَلَ اللَّهُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَجَلًا لِهَلَاكِهِمْ، وَوَقْتًا لِعَذَابِهِمْ لَا رَيْبَ فِيهِ. يَقُولُ: لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ آتِيهِمْ ذَلِكَ الْأَجَلُ {فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا} يَقُولُ: فَأَبَى الْكَافِرُونَ إِلَّا جُحُودًا بِحَقِيقَةِ وَعِيدِهِ الَّذِي أَوْعَدَهُمْ وَتَكْذِيبًا بِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ: لَوْ أَنْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ أَمْلَاكِ رَبِّي مِنَ الْأَمْوَالِ، وَعَنَى بِالرَّحْمَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْمَالَ {إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ} يَقُولُ: إِذَنْ لَبَخِلْتُمْ بِهِ فَلَمْ تَجُودُوا بِهَا عَلَى غَيْرِكُمْ، خَشْيَةً مِنَ الْإِنْفَاقِ وَالْإِقْتَارِ. كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ} قَالَ: الْفَقْرُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ} أَيّ خَشْيَةِ الْفَاقَةِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ. وَقَوْلُهُ {وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا} يَقُولُ: وَكَانَ الْإِنْسَانُ بَخِيلًا مُمْسِكًا. كَمَا حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ {وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا} يَقُولُ: بَخِيلًا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ {وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا} قَالَ: بَخِيلًا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا} قَالَ: بَخِيلًا مُمْسِكًا. وَفِي الْقَتُورِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لُغَاتٌ أَرْبَعٌ، يُقَالُ: قَتَّرَ فُلَانٌ يَقْتُرُ وَيُقْتِرُ، وَقَتَّرَ يُقَتِّرُ، وَأُقَتِّرُ يُقْتِرُ، كَمَا قَالَ أَبُو دُوَادَ: لَا أَعُـدُّ الْإِقْتَـارَ عُدْمًـا وَلَكِـنْ *** فَقْـدُ مَـنْ قَـدْ رُزِيتُـهُ الْإِعْـدَامُ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْآتَيْنَا مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍتُبَيِّنُ لِمَنْ رَآهَا أَنَّهَا حُجَجٌ لِمُوسَى شَاهِدَةٌ عَلَى صِدْقِهِ وَحَقِيقَةِ نُبُوَّتِهِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيهِنَّ وَمَا هُنَّ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} قَالَ: التِّسْعُ الْآيَاتُ الْبَيِّنَاتُ: يَدُهُ، وَعَصَاهُ، وَلِسَانُهُ، وَالْبَحْرُ، وَالطُّوفَانُ، وَالْجَرَادُ، وَالْقَمْلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ، آيَاتٌ مُفَصَّلَاتٌ. حُدِّثَتْ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} إِلْقَاءُ الْعَصَا مَرَّتَيْنِ عِنْدَ فِرْعَوْنَ، وَنَزْعُ يَدِهِ، وَالْعُقْدَةُ الَّتِي كَانَتْ بِلِسَانِهِ، وَخَمْسُ آيَاتٍ فِي الْأَعْرَافِ: الطُّوفَانُ، وَالْجَرَادُ، وَالْقَمْلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ. وَقَالَ آخَرُونَ نَحْوًا مِنْ هَذَا الْقَوْلِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا آيَتَيْنِ مِنْهُنَّ: إِحْدَاهُمَا الطَّمْسَةُ، وَالْأُخْرَى الْحَجَرُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعَّبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: سَأَلَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ قَوْلِهِ {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} فَقُلْتُ لَهُ: هِيَ الطُّوفَانُ وَالْجَرَادُ، وَالْقَمْلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ، وَالْبَحْرُ، وَعَصَاهُ، وَالطَّمْسَةُ، وَالْحَجَرُ، فَقَالَ: وَمَا الطَّمسَةُ؟ فَقُلْتُ: دَعَا مُوسَى وَأَمَّنَ هَارُونُ، فَقَالَ: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا، وَقَالَ عُمْرُ: كَيْفَ يَكُونُ الْفِقْهُ إِلَّا هَكَذَا. فَدَعَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِخَرِيطَةٍ كَانَتْ لِعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ أُصِيبَتْ بِمِصْرَ، فَإِذَا فِيهَا الْجَوْزَةُ وَالْبَيْضَةُ وَالْعَدَسَةُ مَا تُنْكِرُ، مُسِخَتْ حِجَارَةً كَانَتْ مِنْ أَمْوَالِ فِرْعَوْنَ أُصِيبَتْ بِمِصْرَ. وَقَالَ آخَرُونَ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُمْ جَعَلُوا اثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ: إِحْدَاهُمَا السِّنِينَ، وَالْأُخْرَى النَّقْصَ مِنَ الثَّمَرَاتِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقَدٍ، عَنْ يَزِيدُ النَّحْوِي، عَنْ عِكْرِمَةَ وَمَطَرٍ الْوَرَّاقِ، فِي قَوْلِهِ {تِسْعَ آيَاتٍ} قَالَا الطُّوفَانُ، وَالْجَرَادُ، وَالْقَمْلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ، وَالْعَصَا، وَالْيَدُ، وَالسُّنُونَ، وَنَقْصٌ مِنَ الثَّمَرَاتِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغَيَّرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، فِي قَوْلِهِ {تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} قَالَ: الطُّوفَانَ، وَالْجَرَادَ، وَالْقَمْلَ، وَالضَّفَادِعَ، وَالدَّمَ، وَالسِّنِينَ، وَنَقْصًا مِنَ الثَّمَرَاتِ، وَعَصَاهُ، وَيَدَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سُئِلَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ قَوْلِهِ {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} مَا هِيَ؟ قَالَ: الطُّوفَانُ، وَالْجَرَادُ، وَالْقَمْلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ، وَعَصَى مُوسَى، وَيَدُهُ. قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٌ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ مِثْلَ قَوْلِ عَطَاءٍ، وَزَادَ {أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ} قَالَ: هُمَا التَّاسِعَتَانِ، وَيَقُولُونَ: التَّاسِعَتَانِ: السِّنِينَ، وَذَهَابَ عُجْمَةِ لِسَانِ مُوسَى. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ {تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} وَهِيَ مُتَتَابِعَاتٌ، وَهِيَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ} قَالَ: السِّنِينَ فِي أَهْلِ الْبَوَادِي، وَنَقُصٌّ مِنَ الثَّمَرَاتِ لِأَهْلِ الْقُرَى، فَهَاتَانِ آيَتَانِ، وَالطُّوافَانُ، وَالْجَرَادُ، وَالْقَمْلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ، هَذِهِ خَمْسٌ، وَيَدُ مُوسَى إِذْ أَخْرَجَهَا بَيْضَاءَ لِلنَّاظِرِينَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ: الْبَرَصُ، وَعَصَاهُ إِذْ أَلْقَاهَا، فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} قَالَ: يَدَ مُوسَى، وَعَصَاهُ، وَالطُّوفَانَ، وَالْجَرَادَ، وَالْقَمْلَ، وَالضَّفَادِعَ، وَالدَّمَ وَالسِّنِينَ، وَنَقْصَ مِنَ الثَّمَرَاتِ. وَقَالَ آخَرُونَ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُمْ جَعَلُوا السِّنِينَ، وَالنَّقْصَ مِنَ الثَّمَرَاتِ آيَةً وَاحِدَةً، وَجَعَلُوا التَّاسِعَةَ: تَلَقُّفَ الْعَصَا مَا يَأْفَكُونَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ، فِي قَوْلِهِ {تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ}، {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ} قَالَ: هَذِهِ آيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالطُّوفَانُ، وَالْجَرَادُ، وَالْقَمْلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ، وَيَدُ مُوسَى، وَعَصَاهُ إِذْ أَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ، وَإِذْ أَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفَكُونَ. وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى، قَالَ: ثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَمَةَ يُحَدِّثُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ، قَالَ: «قَالَ يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى النَّبِيِّ حَتَّى نَسْأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} قَالَ: لَا تَقُلْ لَهُ نَبِي، فَإِنَّهُ إِنْ سَمِعَكَ صَارَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنَ، قَالَ: فَسَأَلَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا تَسْحَرُوا، وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا، وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ لِيَقْتُلَهُ، وَلَا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً، أَوْ قَالَ: لَا تَفِرُّوا مِنَ الزَّحْفِ “. شُعْبَةُ الشَّاكُّ: وَأَنْتُمْ يَا يَهُودُ عَلَيْكُمْ خَاصٌّ لَا تَعْدُوَا فِي السَّبْتِ، فَقَبَّلَا يَدَهُ وَرَجُلَهُ، وَقَالَا نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ، قَالَ: فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْ تُسْلِمَا؟ قَالَا إِنَّ دَاوُدَ دَعَا أَنْ لَا يَزَالُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ، وَإِنَّا نَخْشَى أَنْ تَقْتُلَنَا يَهُود». حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ وَأَبُو دَاوُدَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَمَةَ يُحَدِّثُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ الْمُرَادِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنِ ابْنَ مَهْدِيٍّ قَالَ: «لَا تَمْشُوا إِلَى ذِي سُلْطَانٍ “ وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: أَرَاهُ قَالَ: “ بِبَرِئ». حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَأَبُو أُسَامَةَ بِنَحْوِهِ، عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ، قَالَ: «قَالَ يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ، فَقَالَ صَاحِبُهُ: لَا تَقُلْ نَبِيّ، إِنَّهُ لَوْ سَمِعَكَ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ أَعْيُنَ، قَالَ: فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْأَلَانِهِ عَنْ تِسْعِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ، فَقَالَ: “ هُنَّ: وَلَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا تَمْشُوا بِبَريءٍ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ لِيَقْتُلَهُ، وَلَا تَسْحَرُوا، وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا، وَلَا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً، وَلَا تَوَلَّوْا يَوْمَ الزَّحْفِ، وَعَلَيْكُمْ خَاصَّةً يَهُودُ: أَنْ لَا تَعْدُوَا فِي السَّبْتِ، قَالَ: فَقَبَّلُوا يَدَيْهِ وَرَجُلَيْهِ، وَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ، قَالَ: فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَتَّبِعُونِي؟ قَالُوا: إِنَّ دَاوُدَ دَعَا أَنْ لَا يَزَالُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ، وَإِنَّا نَخَافُ إِنِ اتَّبَعْنَاكَ أَنْ تَقْتُلَنَا يَهُود». حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ. وَأَمَّاقَوْلُهُ {فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ} فَإِنَّ عَامَّةَ قُرَّاءِ الْإِسْلَامِ عَلَى قِرَاءَتِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ بِمَعْنَى: فَاسْأَلْ يَا مُحَمَّدُ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ مُوسَى. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي تَأْوِيلِهِ مَا حَدَّثَنِي بِهِ الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ هَارُونَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْحَسَنِ {فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} قَالَ: سُؤَالُكَ إِيَّاهُمْ: نَظَرُكَ فِي الْقُرْآنِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ: “ فَسَأَلَ “ بِمَعْنَى: فَسَأَلَ مُوسَى فِرْعَوْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُرْسِلَهُمْ مَعَهُ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ هَارُونَ، عَنْ حَنْظَلَةَ السَّدوسِيِّ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَرَأَ: “ فَسَأَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ “ يَعْنِي أَنَّ مُوسَى سَأَلَ فِرْعَوْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُرْسِلَهُمْ مَعَهُ. وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتُجِيزَ أَنْ يُقْرَأَ بِغَيْرِهَا، هِيَ الْقِرَاءَةُ الَّتِي عَلَيْهَا قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى تَصْوِيبِهَا، وَرَغْبَتِهِمْ عَمَّا خَالَفَهَا. وَقَوْلُهُ {فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا} يَقُولُ: فَقَالَ لِمُوسَى فِرْعَوْنُ: إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى تَتَعَاطَى عِلْمَ السِّحْرَ، فَهَذِهِ الْعَجَائِبُ الَّتِي تَفْعَلُهَا مِنْ سِحْرِكَ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى سَاحِرًا، فَوَضَعَ مَفْعُولٌ مَوْضِعَ فَاعِلٍ، كَمَا قِيلَ: إِنَّكَ مَشْئُومٌ عَلَيْنَا وَمَيْمُونٌ، وَإِنَّمَا هُوَ شَائِمٌ وَيَامِنٌ، وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ حِجَابًا مَسْتُورًا، بِمَعْنَى: حِجَابًا سَاتِرًا، وَالْعَرَبُ قَدْ تُخْرِجُ فَاعِلًا بِلَفْظِ مَفْعُولٍ كَثِيرًا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لِأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا}. اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ {لَقَدْ عَلِمْتَ} فَقَرَأَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ ذَلِكَ {لَقَدْ عَلِمْتَ} بِفَتْحِ التَّاءِ، عَلَى وَجْهِ الْخِطَابِ مَنْ مُوسَى لِفِرْعَوْنَ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، أَنَّهُ قَرَأَ “ لَقَدْ عَلِمْتُ “ بِضَمِّ التَّاءِ، عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ مَنْ مُوسَى عَنْ نَفْسِهِ، وَمَنْ قَرَأَ ذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى مَذْهَبِهِ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ {إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا} إِنِّي لَأَظُنُّكَ قَدْ سُحِرْتَ، فَتَرَى أَنَّكَ تَتَكَلَّمُ بِصَوَابٍ وَلَيْسَ بِصَوَابٍ، وَهَذَا وَجْهٌ مِنَ التَّأْوِيلِ، غَيْرَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ الَّتِي عَلَيْهَا قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ خِلَافُهَا، وَغَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَنَا خِلَافُ الْحُجَّةِ فِيمَا جَاءَتْ بِهِ مِنَ الْقِرَاءَةِ مُجْمِعَةً عَلَيْهِ. وَبُعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ أَخْبَرَ عَنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ أَنَّهُمْ جَحَدُوا مَا جَاءَهُمْ بِهِ مُوسَى مِنَ الْآيَاتِ التِّسْعِ، مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِقَوْلِهِ {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُمْ قَالُوا: هِيَ سِحْرٌ، مَعَ عِلْمِهِمْ وَاسْتِيقَانِ أَنْفُسِهِمْ بِأَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ {لَقَدْ عَلِمْتَ} إِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ مِنْ مُوسَى لِفِرْعَوْنَ بِأَنَّهُ عَالِمٌ بِأَنَّهَا آيَاتٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ احْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِمِثْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنَ الْحُجَّةِ. قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ {لَقَدْ عَلِمْتَ} يَا فِرْعَوْنَ بِالنُّصْبِ {مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، ثُمَّ تَلَا {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: قَالَ مُوسَى لِفِرْعَوْنَ: لَقَدْ عَلِمَتَ يَا فِرْعَوْنَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ التِّسْعَ الْبَيِّنَاتِ الَّتِي أَرَيْتُكَهَا حُجَّةً لِي عَلَى حَقِيقَةِ مَا أَدْعُوكَ إِلَيْهِ، وَشَاهِدَةً لِي عَلَى صِدْقِ وَصِحَّةِ قَوْلِي، إِنِّي لِلَّهِ رَسُولٌ، مَا بَعَثَنِي إِلَيْكَ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى أَمْثَالِهِ أَحَدٌ سِوَاهُ، بَصَائِرُ: يَعْنِي بِالْبَصَائِرِ: الْآيَاتِ، أَنَّهُنَّ بَصَائِرُ لِمَنِ اسْتَبْصَرَ بِهِنَّ، وَهُدًى لِمَنِ اهْتَدَى بِهِنَّ، يَعْرِفُ بِهِنَّ مَنْ رَآهُنَّ أَنَّ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ فَمُحِقٌّ، وَأَنَّهُنَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَا مِنْ عِنْدِ غَيْرِهِ، إِذْ كُنَّ مُعْجِزَاتٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِنَّ، وَلَا عَلَى شَيْءٍ مِنْهُنَّ سِوَى رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَهُوَ جَمْعُ بَصِيرَةٍ. وَقَوْلُهُ {وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} يَقُولُ: إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنَ مَلْعُونًا مَمْنُوعًا مِنَ الْخَيْرِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: مَا ثَبَرَكَ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ: أَي مَا مَنَعَكَ مِنْهُ، وَمَا صَدَّكَ عَنْهُ؟ وَثَبَّرَهُ اللَّهُ فَهُوَ يُثْبرِهُ وَيُثْبُرُهُ لُغَتَانِ، وَرَجُلٌ مَثْبُورٌ: مَحْبُوسٌ عَنِ الْخَيِّرَاتِ هَالِكٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: إِذْ أُجـارِي الشَّـيطانَ فِي سَنَنِ الْغَيِّ *** وَمَـنْ مـالَ مَيْلَـهُ مَثْبُـورُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكِلَابِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، قَالَ: ثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ {وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} قَالَ مَلْعُونًا. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} يَقُولُ: مَلْعُونًا. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: إِنِّي لِأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَغْلُوبًا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} يَعْنِي: مَغْلُوبًا. حُدِّثَتْ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعَتِ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} يَقُولُ: مَغْلُوبًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنَ هَالِكًا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: مَثْبُورًا: أَيْ هَالِكًا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا}: أَيْ هَالِكًا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، بِنَحْوِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: إِنِّي لَأَظُنُّكَ مُبَدِّلًا مُغَيِّرًا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ عِيسَى بْنِ مُوسَى، عَنْ عَطِيَّةَ {وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} قَالَ: مُبَدِّلًا. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: مَخْبُولًا لَا عَقْلَ لَهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} قَالَ: الْإِنْسَانُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَقْلٌ فَمَا يَنْفَعُهُ؟ يَعْنِي: إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَقْلٌ يَنْتَفِعُ بِهِ فِي دِينِهِ وَمَعَاشِهِ دَعَتْهُ الْعَرَبُ مَثْبُورًا، قَالَ: أَظُنُّكَ لَيْسَ لَكَ عَقْلٌ يَا فِرْعَوْنُ، قَالَ: بَيِّنَا هُوَ يَخَافُهُ وَلَا يَنْطِقُ لِسَانِي أَنَّ أَقُولَ هَذَا لِفِرْعَوْنَ، فَلَمَّا شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ، اجْتَرَأَ أَنْ يَقُولَ لَهُ فَوْقَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ. وَقَدْ بَيَّنَا الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قَبْلُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَرَادَ فِرْعَوْنُ أَنْ يَسْتَفِزَّ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْأَرْضِ، (فَأَغْرَقْنَاهُ) فِي الْبَحْرِ، {وَمَنْ مَعَهُ} مِنْ جُنْدِهِ (جَمِيعًا)، وَنَجَّيْنَا مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقُلْنَا لَهُمْ {مِنْ بَعْدِ} هَلَاكِ فِرْعَوْنَ {اسْكُنُوا الْأَرْضَ} أَرْضَ الشَّامِ {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} يَقُولُ: فَإِذَا جَاءَتِ السَّاعَةُ، وَهِيَ وَعْدُ الْآخِرَةِ، جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا: يَقُولُ: حَشَرْنَاكُمْ مِنْ قُبُورِكُمْ إِلَى مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ لَفِيفًا: أَي مُخْتَلِطِينَ قَدِ الْتَفَّ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، لَا تَتَعَارَفُونَ، وَلَا يَنْحَازُ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى قَبِيلَتِهِ وَحَيِّهِ، مِنْ قَوْلِكَ: لَفَفْتُ الْجُيُوشَ: إِذَا ضَرَبْتَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ، فَاخْتَلَطَ الْجَمِيعُ، وَكَذَلِكَ كَلُّ شَيْءٍ خُلِطَ بِشَيْءٍ فَقَدِ لُفَّ بِهِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَحْوَ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَزِينٍ {جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} قَالَ: مِنْ كُلِّ قَوْمٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: جِئْنَا بِكُمْ جَمِيعًا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} قَالَ: جَمِيعًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} جَمِيعًا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَقَوْلَهُ {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا}: أَيْ جَمِيعًا، أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} قَالَ: جَمِيعًا. حُدِّثَتْ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} يَعْنِي جَمِيعًا. وَوَحَّدَ اللَّفِيفَ، وَهُوَ خَبَرٌ عَنِ الْجَمِيعِ، لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْمَصْدَرُ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: لَفَفْتُهُ لَفًّا وَلَفِيفًا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ: يَقُولُ: أَنْزَلْنَاهُ نَأْمُرُ فِيهِ بِالْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ وَالْأَخْلَاقِ الْجَمِيلَةِ، وَالْأُمُورِ الْمُسْتَحْسَنَةِ الْحَمِيدَةِ، وَنَنْهَى فِيهِ عَنِ الظُّلْمِ وَالْأُمُورِ الْقَبِيحَةِ، وَالْأَخْلَاقِ الرَّدْيَةِ، وَالْأَفْعَالِ الذَّمِيمَةِ {وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} يَقُولُ: وَبِذَلِكَ نَزَلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَوْلُهُ {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ إِلَى مَنْ أَرْسَلْنَاكَ إِلَيْهِ مِنْ عِبَادِنَا، إِلَّا مُبَشِّرًا بِالْجَنَّةِ مَنْ أَطَاعَنَا، فَانْتَهَى إِلَى أَمْرِنَا وَنَهْيِنَا، وَمُنْذِرًا لِمَنْ عَصَانَا وَخَالَفَ أَمْرَنَا وَنَهْيَنَا {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ} اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ (فَرَقْنَاهُ) بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ مَنْ فَرَّقْنَاهُ، بِمَعْنَى: أَحْكَمْنَاهُ وَفَصَّلْنَاهُ وَبَيَّنَّاهُ، وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ “ فَرَّقْنَاهُ “ بِمَعْنَى: نَزَّلْنَاهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، آيَةً بَعْدَ آيَةٍ، وَقِصَّةً بَعْدَ قِصَّةً. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ عِنْدَنَا، الْقِرَاءَةُ الْأُولَى، لِأَنَّهَا الْقِرَاءَةُ الَّتِي عَلَيْهَا الْحُجَّةُ مُجَمَّعَةٌ، وَلَا يَجُوزُ خِلَافُهَا فِيمَا كَانَتْ عَلَيْهِ مُجَمَّعَةً مِنْ أَمْرِ الدِّينِ وَالْقُرْآنِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَفَصَلْنَاهُ قُرْآنًا، وَبَيَّنَّاهُ وَأَحْكَمْنَاهُ، لِتَقْرَأهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّأْوِيلِ، قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ} يَقُولُ: فَصَّلْنَاهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَرَأَ {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ} مُخَفِّفًا: يَعْنِي بَيَّنَّاهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ} قَالَ: فَصَّلْنَاهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ، قَالَ: ثَنَا عِبَادٌ، يَعْنِي ابْنَ رَاشِدٍ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَرَأَ {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ} خَفَّفَهَا: فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا الْقِرَاءَةَ الْأُخْرَى، فَإِنَّهُمْ تَأَوَّلُوا مَا قَدْ ذَكَرْتُ مِنَ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مِنْ قَالَ مَا حَكَيْتُ مِنَ التَّأْوِيلِ عَنْ قَارِئِ ذَلِكَ كَذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَؤُهَا: “ وَقُرْآنًا فَرَّقْنَاهُ “ مُثْقَلَةً، يَقُولُ: أُنْزِلَ آيَةً آيَةً. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، ثُمَّ أُنْزِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي عِشْرِينَ سَنَةً، قَالَ {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}، “ {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا} “. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: “ {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ} “ لَمْ يَنْزِلْ جَمِيعًا، وَكَانَ بَيْنَ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ نَحْوَ مَنْ عِشْرِينَ سَنَةً. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ} قَالَ: فَرَّقَهُ: لَمْ يُنْزِلْهُ جَمِيعَهُ. وَقَرَأَ {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نـزلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً}... حَتَّى بَلَّغَ {وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} يَنْقُضُ عَلَيْهِمْ مَا يَأْتُونَ بِهِ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَقُولُ: نَصَبَ قَوْلَهُ (وَقُرْآنًا) بِمَعْنَى: وَرَحْمَةً، وَيَتَأَوَّلُ ذَلِكَ {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} وَرَحْمَةً، وَيَقُولُ: جَازِ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ رَحْمَةٌ، وَنَصْبُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَاهُ أُولَى، وَذَلِكَ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} وَقَوْلُهُ {لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} يَقُولُ: لِتَقْرَأهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى تَؤُدَةٍ، فَتُرَتِّلُهُ وَتُبَيِّنُهُ، وَلَا تُعَجِّلُ فِي تِلَاوَتِهِ، فَلَا يَفْهَمُ عَنْكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدِ الْمكُتِبُ قَالَ: قُلْتُ لِمُجَاهِدٍ: رَجُلٌ قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، وَآخَرُ قَرَأَ الْبَقَرَةَ، وَرُكُوعُهُمَا وَسُجُودُهُمَا وَاحِدٌ، أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ قَالَ: الَّذِي قَرَأَ الْبَقَرَةَ، وَقَرَأَ {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ}. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} يَقُولُ: عَلَى تَأْيِيدٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ {عَلَى مُكْثٍ} قَالَ: عَلَى تَرْتِيلٍ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلَهُ {لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} قَالَ: فِي تَرْتِيلٍ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} قَالَ: التَّفْسِيرُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}: تَفْسِيرُهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ {لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} عَلَى تَؤُدَةٍ، وَفِي الْمُكْثِ لِلْعَرَبِ لُغَاتٌ: مُكْثٌ، وَمَكَثٌ، ومِكْثٌ وَمِكِّيثَى مَقْصُورٌ، ومُكْثَانًا، وَالْقِرَاءَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ. وَقَوْلُهُ {وَنزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَرَّقْنَا تَنْزِيلَهُ، وَأَنْزَلْنَاهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ. كَمَا حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ؛ قَالَ: تَلَا الْحَسَنُ: “ {وَقُرْآنًا فَرَّقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} “ قَالَ: كَانَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُنَزِّلُ هَذَا الْقُرْآنَ بَعْضَهُ قَبْلَ بَعْضٍ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ سَيَكُونُ وَيَحْدُثُ فِي النَّاسِ، لَقَدْ ذَكَرَ لَنَا أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً، قَالَ: فَسَأَلَتْهُ يَوْمًا عَلَى سَخْطَةٍ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ “ {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ} “ فَثَقَّلَهَا أَبُو رَجَاءٍ، فَقَالَ الْحَسَنُ: لَيْسَ فَرَّقْنَاهُ، وَلَكِنْ فَرَقْنَاهُ، فَقَرَأَ الْحَسَنُ مُخَفَّفَةً، قُلْتُ: مَنْ يُحَدِّثُكَ هَذَا يَا أَبَا سَعِيدٍ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: فَمَنْ يُحَدِّثُنِيهِ، قَالَ: أُنْزِلَ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ إِلَى الْمَدِينَةِ ثَمَانِي سِنِينَ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} لَمْ يَنْزِلْ فِي لَيْلَةٍ وَلَا لَيْلَتَيْنِ، وَلَا شَهْرٍ وَلَا شَهْرَيْنِ، وَلَا سَنَةٍ وَلَا سَنَتَيْنِ، وَلَكِنْ كَانَ بَيْنَ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ عِشْرُونَ سَنَةً، وَمَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَ يَقُولُ: أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ الْقُرْآنُ ثَمَانِي سِنِينَ، وَعَشْرًا بَعْدَ مَا هَاجَرَ. وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: عَشْرًا بِمَكَّةَ، وَعَشْرًا بِالْمَدِينَةِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ لَكَ {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا}: آمَنُوا بِهَذَا الْقُرْآنِ الَّذِي لَوِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ، لَمْ يَأْتُوا بِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا، أَوْ لَا تُؤْمِنُوا بِهِ، فَإِنَّ إِيمَانَكُمْ بِهِ لَنْ يَزِيدَ فِي خَزَائِنِ رَحْمَةِ اللَّهِ وَلَا تَرْكَكُمُ الْإِيمَانَ بِهِ يُنْقِصُ ذَلِكَ، وَإِنْ تَكْفُرُوا بِهِ، فَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ بِاللَّهِ وَآيَاتِهِ مِنْ قَبْلِ نُزُولِهِ مِنْ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ، إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ هَذَا الْقُرْآنُ يَخِرُّونَ تَعْظِيمًا لَهُ وَتَكْرِيمًا، وَعَلِمًا مِنْهُمْ بِأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، لَأَذقَانُهُمْ سُجَّدًا بِالْأَرْضِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيالَّذِي عُنِيَ بِقَوْلِهِ {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ} فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهِ: الْوُجُوهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} يَقُولُ: لِلْوُجُوهِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} قَالَ لِلْوُجُوهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ اللِّحَى.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ فِي قَوْلِهِ {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ} قَالَ: اللِّحَى. وَقَوْلُهُ {سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَيَقُولُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعَلَمَ مِنْ قَبْلِ نُزُولِ هَذَا الْقُرْآنِ، إِذْ خَرُّوا لِلْأَذْقَانِ سُجُودًا عِنْدَ سَمَاعِهِمُ الْقُرْآنَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ، تَنْزِيهًا لِرَبِّنَا وَتَبْرِئَةً لَهُ مِمَّا يُضِيفُ إِلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ بِهِ، مَا كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا مِنْ ثَوَابٍ وَعِقَابٍ، إِلَّا مَفْعُولًا حَقًّا يَقِينًا، إِيمَانًا بِالْقُرْآنِ وَتَصْدِيقًا بِهِ، وَالْأَذْقَانُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: جَمْعُ ذَقْنٍ وَهُوَ مَجْمَعُ اللَّحْيَيْنِ، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالَّذِي قَالَ الْحَسَنُ فِي ذَلِكَ أَشْبَهُ بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْهُمْ فِي الَّذِينَ عُنَوْا بِقَوْلِهِ {أُوتُوا الْعِلْمَ} وَفِي {يُتْلَى عَلَيْهِمْ}.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ {الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ}.... إِلَى قَوْلِهِ (خُشُوعًا) قَالَ: هُمْ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ حِينَ سَمِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ قَالُوا {سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا}. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ} مِنْ قَبْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ} مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا}. وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِقَوْلِهِ {الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ} الْقُرْآنَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ {إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ} كِتَابُهُمْ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ} مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: عُنِيَ بِقَوْلِهِ {إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ} الْقُرْآنُ، لِأَنَّهُ فِي سِيَاقِ ذِكْرِ الْقُرْآنِ لَمْ يَجْرِ لِغَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ ذِكْرٌ، فَيَصْرِفُ الْكَلَامَ إِلَيْهِ، وَلِذَلِكَ جُعِلَتِ الْهَاءُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ {مِنْ قَبْلِهِ} مِنْ ذِكْرِ الْقُرْآنِ، لِأَنَّ الْكَلَامَ بِذِكْرِهِ جَرَى قَبْلَهُ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ} وَمَا بَعْدَهُ فِي سِيَاقِ الْخَبَرِ عَنْهُ، فَلِذَلِكَ وَجَبَتْ صِحَّةُ مَا قُلْنَا إِذَا لَمْ يَأْتِ بِخِلَافِ مَا قُلْنَا فِيهِ حُجَّةٌ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَخِرُّ هَؤُلَاءِالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِ نُزُولِ الْفَرْقَانِ، إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لِأَذْقَانِهِمْ يَبْكُونَ، وَيَزِيدُهُمْ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْمَوَاعِظِ وَالْعِبَرِ خُشُوعًا، يَعْنِي خُضُوعًا لِأَمْرِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، وَاسْتِكَانَةً لَهُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى التَّيْمِيِّ، أَنَّ مَنْ أُوتِيَ مِنَ الْعِلْمِ يُبْكِهِ لِخَلِيقٍ أَنْ لَا يَكُونُ أُوتِيَ عِلْمًا يَنْفَعُهُ، لِأَنَّ اللَّهَ نَعَتَ الْعُلَمَاءَ فَقَالَ {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ}.... الْآيَتَيْنِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كَدَامٍ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى التَّيْمِيِّ بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ {إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ} ثُمَّ قَالَ {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ}.... الْآيَةَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} قَالَ: هَذَا جَوَابٌ وَتَفْسِيرٌ لِلْآيَةِ الَّتِي فِي كهيعص {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا}.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوَا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِمُشْرِكِي قَوْمِكَ الْمُنْكِرِينَ دُعَاءَ الرَّحْمَنِ {ادْعُوَا اللَّهَ} أَيُّهَا الْقَوْمُ {أَوِ ادْعُوَا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوَا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} بِأَيِّ أَسْمَائِهِ جَلَّ جَلَالُهُ تَدْعُونَ رَبَّكُمْ، فَإِنَّمَا تَدْعُونَ وَاحِدًا، وَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ «الْمُشْرِكِينَ فِيمَا ذَكَرَ سَمِعُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو رَبَّهُ: يَا رَبَّنَا اللَّهُ، وَيَا رَبَّنَا الرَّحْمَنُ، » فَظَنُّوا أَنَّهُ يَدْعُو إِلَهَيْنِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هَذِهِ الْآيَةَ احْتِجَاجًا لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِمْ. ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِمَا ذَكَرْنَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدًا يَدْعُو: يَا رَحْمَنُ يَا رَحِيمُ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: هَذَا يَزْعُمُ أَنَّهُ يَدْعُو وَاحِدًا، وَهُوَ يَدْعُو مَثْنَى مَثْنَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوَا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}.... الْآيَة». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي عِيسَى؛ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ مَكْحُولٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “ كَانَ يَتَهَجَّدُ بِمَكَّةَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: يَا رَحْمَنُ يَا رَحِيمُ، فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: انْظُرُوا مَا قَالَ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ، يَدْعُو اللَّيْلَةَ الرَّحْمَنَ الَّذِي بِالْيَمَامَةِ، وَكَانَ بِالْيَمَامَةِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الرَّحْمَنُ: فَنَزَلَتْ {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوَا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}». “ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوَا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ {أَيًّا مَا تَدْعُوَا} بِشَيْءٍ مِنْ أَسْمَائِهِ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِكَارٍ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: ثَنِي حَمَّادُ بْنُ عِيسَى؛ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ الطُّفَيْلِ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ عراكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا كُلُّهُنَّ فِي الْقُرْآنِ، مَنْ أَحْصَاهُنَّ دَخَلَ الْجَنَّة». قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَلِدُخُولِ “ مَا “ فِي قَوْلِهِ {أَيًّا مَا تَدْعُوَا} وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ صِلَةً، كَمَا قِيلَ: {عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ} وَالْآخَرُ أَنْ تَكُونَ فِي مَعْنَى إِنْ: كُرِّرَتْ لَمَّا اخْتَلَفَ لَفْظَاهُمَا، كَمَا قِيلَ: مَا إِنْ رَأَيْتُ كَاللَّيْلَةِ لَيْلَةً. وَقَوْلُهُ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِذَلِكَ: وَلَا تَجْهَرُ بِدُعَائِكَ، وَلَا تُخَافِتُ بِهِ، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ، وَقَالُوا: عَنَى بِالصَّلَاةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الدُّعَاءُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عِيسَى الدَّامَغَانِيُّ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَة، فِي قَوْلِهِ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَتْ: فِي الدُّعَاءِ. حَدَّثَنَا بِشَارٌ، قَالَ: ثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَة، قَالَتْ: نَزَلَتْ فِي الدُّعَاءِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَة مثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: ثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَ: كَانُوا يَجْهَرُونَ بِالدُّعَاءِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أُمِرُوا أَنْ لَا يَجْهَرُوا، وَلَا يُخَافِتُوا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ الْبَكْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنْ عَائِشَة، قَالَتْ: نَزَلَتْ فِي الدُّعَاءِ. حَدَّثَنِي مَطَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الضَّبِّيُّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثَنَا شَرَّيْكٌ، عَنْ زِيَادِ بْنِ فَيَّاضٍ، عَنْ أَبِي عِيَاضٍ، فِي قَوْلِهِ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَ: الدُّعَاءُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمِ الْهَجْرِيِّ، عَنْ أَبِي عِيَاضٍ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَ: نَزَلَتْ فِي الدُّعَاءِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا شَرَّيْكٌ، عَنْ زِيَادِ بْنِ فَيَّاضٍ، عَنْ أَبِي عِيَاضٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ عَطَاءٍ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَ: نَزَلَتْ فِي الدُّعَاءِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحُكْمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي الْآيَةِ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَ: فِي الدُّعَاءِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةٌ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: نَزَلَتْ فِي الدُّعَاءِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} فِي الدُّعَاءِ وَالْمَسْأَلَةِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: نَزَلَتْ فِي الدُّعَاءِ وَالْمَسْأَلَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى، قَالَ: ثَنِي سُفْيَانُ، قَالَ: ثَنِي قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَ: فِي الدُّعَاءِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ عَيَّاشٍ الْعَامِرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: كَانَ أَعْرَابُ إِذَا سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا إِبِلًا وَوَلَدًا، قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، فِي قَوْلِهِ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَ: فِي الدُّعَاءِ. حَدَّثَنِي ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ}.... الْآيَةَ، قَالَ: فِي الدُّعَاءِ وَالْمَسْأَلَةِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي عِيسَى؛ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ مَكْحُولٍ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَ: ذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ. وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِذَلِكَ الصَّلَاةَ. وَاخْتَلَفَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي عَنَى بِالنَّهْي عَنِ الْجَهْرِ بِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الَّذِي نَهَى عَنِ الْجَهْرِ بِهِ مِنْهَا الْقِرَاءَةُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَارٍ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَ: كَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ، فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَمِنْ أَنْزَلَهُ، وَمَنْ جَاءَ بِهِ، قَالَ: فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} فَيَسْمَعُ الْمُشْرِكُونَ {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} عَنْ أَصْحَابِكَ، فَلَا تُسْمِعُهُمُ الْقُرْآنَ حَتَّى يَأْخُذُوا عَنْك». حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا جَهَرَ بِالصَّلَاةِ بِالْمُسْلِمِينَ بِالْقُرْآنِ، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ إِذَا سَمِعُوهُ، فَيُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشَّتْمِ وَالْعَيْبِ بِهِ، وَذَلِكَ بِمَكَّةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: يَا مُحَمَّدُ {لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} يَقُولُ: لَا تُعْلِنُ بِالْقِرَاءَةِ بِالْقُرْآنِ إِعْلَانًا شَدِيدًا يَسْمَعُهُ الْمُشْرِكُونَ فَيُؤْذُونَكَ، وَلَا تُخَافِتُ بِالْقِرَاءَةِ بِالْقُرْآنِ: يَقُولُ: لَا تَخْفِضُ صَوْتَكَ حَتَّى لَا تُسْمِعَ أُذُنَيْكَ {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}») يَقُولُ: اطْلُبْ بَيْنَ الْإِعْلَانِ وَالْجَهْرِ وَبَيْنَ التَّخَافُتِ وَالْخَفْضِ طَرِيقًا، لَا جَهْرًا شَدِيدًا، وَلَا خَفْضًا لَا تُسْمِعُ أُذُنَيْكَ، فَذَلِكَ الْقَدْرُ، فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ سَقَطَ هَذَا كُلُّهُ، يَفْعَلُ الْآنَ أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ. حُدِّثَتْ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ «فِي قَوْلِهِ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}.... الْآيَةَ، هَذَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ كَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ، فَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ أَسْمَعَ الْمُشْرِكِينَ، فَآذَوْهُ، فَأَمْرَهُ اللَّهُ أَنْ لَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ، فَيُسْمِعَ عَدُوَّهُ، وَلَا يُخَافِتَ فَلَا يُسْمِعَ مَنْ خَلْفَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَبْتَغِيَ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا». حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ، فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا سَمِعُوا صَوْتَهُ سَبُّوا الْقُرْآنَ، وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْفِي الْقُرْآنَ فَمَا يُسْمَعُهُ أَصْحَابُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}». حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ صَوْتَهُ وَسَمِعَ الْمُشْرِكُونَ، سَبُّوا الْقُرْآنَ، وَمَنْ جَاءَ بِهِ، وَإِذَا خَفَضَ لَمْ يَسْمَعْ أَصْحَابُهُ، قَالَ اللَّهُ {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}». حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا يُونُسُ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثَنِي دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ «رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَهَرَ بِالْقُرْآنِ وَهُوَ يُصَلِّي تَفَرَّقُوا، وَأَبَوْا أَنْ يَسْتَمِعُوا مِنْهُ، فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ مَا يَتْلُو، وَهُوَ يُصَلِّي، اسْتَرَقَ السَّمْعَ دُونَهُمْ فَرْقًا مِنْهُمْ، فَإِنْ رَأَى أَنَّهُمْ قَدْ عَرَفُوا أَنَّهُ يَسْتَمِعُ، ذَهَبَ خَشْيَةَ أَذَاهُمْ، فَلَمْ يَسْتَمِعْ، فَإِنْ خَفَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ، لَمْ يَسْتَمِعِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ مِنْ قِرَاءَتِهِ شَيْئًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ}» فَيَتَفَرَّقُوا عَنْكَ {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} فَلَا تُسْمِعُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْمَعَهَا، مِمَّنْ يَسْتَرِقُ ذَلِكَ دُونَهُمْ، لَعَلَّهُ يَرْعَوِي إِلَى بَعْضِ مَا يَسْمَعُ، فَيَنْتَفِعُ بِهِ، {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: لَا تَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فَتُؤْذِي آلِهَتَنَا، فَنَهْجُو رَبَّكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}.... الْآيَة». حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَ: «نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُخْتَفٍ بِمَكَّةَ، فَكَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ الصَّوْتَ بِالْقُرْآنِ، فَإِذَا سَمِعَهُ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَمِنْ أَنْزَلَهُ، وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ}: أَيْ بِقِرَاءَتِكَ، فَيَسْمَعُ الْمُشْرِكُونَ، فَيَسُبُّوا الْقُرْآنَ {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} عَنْ أَصْحَابِكَ، فَلَا تُسْمِعُهُمْ {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}». حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَ: فِي الْقِرَاءَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ صَوْتَهُ أَعْجَبَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ، وَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوهُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة». حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيريِنِ، قَالَ: نُبِّئْتُ «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ إِذَا صَلَّى فَقَرَأَ خَفْضَ صَوْتِهِ، وَأَنَّ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ، قَالَ: فَقِيلَ لِأَبِي بَكْرٍ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا؟ فَقَالَ: أُنَاجِي رَبِّي، وَقَدْ عَلِمَ حَاجَتِي، قِيلَ: أَحْسَنْتَ، وَقِيلَ لِعُمَرَ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا؟ قَالَ: أَطْرُدُ الشَّيْطَانَ، وَأُوقِظُ الْوَسَنَانِ، قِيلَ: أَحْسَنْتَ، فَلَمَّا نَزَلَتْ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} قِيلَ لِأَبِي بَكْرٍ: ارْفَعْ شَيْئًا، وَقِيلَ لِعُمَرَ: اخْفِضْ شَيْئًا». حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ إِبْرَاهِيمِ الصَّائِغِ، عَنْ عَطَاءٍ، فِي قَوْلِهِ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَ: يَقُولُ نَاسٌ إِنَّهَا فِي الصَّلَاةِ، وَيَقُولُ آخَرُونَ إِنَّهَا فِي الدُّعَاءِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} وَكَانَ نَبِيُّ اللَّهِ وَهُوَ بِمَكَّةَ، إِذَا سَمِعَ الْمُشْرِكُونَ صَوْتَهُ رَمَوْهُ بِكُلِّ خبْثٍ، فَأَمْرَهُ اللَّهُ أَنْ يَغُضَّ مِنْ صَوْتِهِ، وَأَنْ يَجْعَلَ صَلَاتَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، وَكَانَ يُقَالُ: مَا سَمِعْتُهُ أُذُنُكَ فَلَيْسَ بِمُخَافَتَةٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالصَّلَاةِ، فَيُرْمَى بِالْخبثِ، فَقَالَ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ فَتُؤْذَى وَلَا تُخَافِتْ بِهَا، وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا». وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا عُنِيَ بِذَلِكَ: وَلَا تَجْهَرُ بِالتَّشَهُّدِ فِي صَلَاتِكَ، وَلَا تُخَافِتُ بِهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَة، قَالَتْ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي التَّشَهُّدِ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}. حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثَنَا حَفْصٌ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ ابْنِ سِيريِنِ مِثْلَهُ. وَزَادَ فِيهِ: وَكَانَ الْأَعْرَابِيُّ يَجْهَرُ فَيَقُولُ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، يَرْفَعُ فِيهَا صَوْتَهُ، فَنَزَلَتْ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ}. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِمَكَّةَ جِهَارًا، فَأَمُرُّ بِإِخْفَائِهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَا قَالَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى يَجْهَرُ بِصَلَاتِهِ، فَآذَى ذَلِكَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ، حَتَّى أَخْفَى صَلَاتَهُ هُوَ وَأَصْحَابَهُ، فَلِذَلِكَ قَالَ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} وَقَالَ فِي الْأَعْرَافِ {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ}». وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَا تَجْهَرُ بِصَلَاتِكَ تُحْسِنُهَا مِنْ إِتْيَانِهَا فِي الْعَلَانِيَةِ، وَلَا تُخَافِتُ بِهَا: تُسِيئُهَا فِي السَّرِيرَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}: أَيْ لَا تُرَاءِ بِهَا عَلَانِيَةً، وَلَا تَخَفْهَا سِرًّا {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَ: لَا تُحَسِّنْ عَلَانِيَتَهَا، وَتُسِئْ سَرِيرَتَهَا. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَ: لَا تُرَاءِ بِهَا فِي الْعَلَانِيَةِ، وَلَا تُخْفِهَا فِي السَّرِيرَةِ. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْأَزْرَقِيُّ، قَالَ: ثَنَا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَسَنِ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَ: تُحْسِنُ عَلَانِيَتَهَا، وَتُسِيءُ سَرِيرَتَهَا. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَ: لَا تُصَلِّ مُرَاءَاةَ النَّاسِ وَلَا تَدَعْهَا مَخَافَةً. وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} قَالَ: السَّبِيلُ بَيْنَ ذَلِكَ الَّذِي سَنَّ لَهُ جَبْرَائِيلُ مِنَ الصَّلَاةِ الَّتِي عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ. قَالَ: وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يُخَافِتُونَ، ثُمَّ يَجْهَرُ أَحَدُهُمْ بِالْحَرْفِ، فَيَصِيحُ بِهِ، وَيَصِيحُونَ هُمْ بِهِ وَرَاءَهُ، فَنُهِيَ أَنْ يَصِيحَ كَمَا يَصِيحُ هَؤُلَاءِ، وَأَنْ يُخَافِتَ كَمَا يُخَافِتُ الْقَوْمُ، ثُمَّ كَانَ السَّبِيلُ الَّذِي بَيْنَ ذَلِكَ، الَّذِي سَنَّ لَهُ جَبْرَائِيلُ مِنَ الصَّلَاةِ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ، مَا ذَكَرْنَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْخَبَرِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ الَّتِي رُوِيَ عَنْ صَحَابِيٍّ فِيهِ قَوْلٌ مُخَرَّجًا، وَأَشْبَهُ الْأَقْوَالِ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ، وَذَلِكَ أَنَّقَوْلَهُ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}عَقِيبَ قَوْلِهِ {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوَا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} وَعَقِيبَ تَقْرِيعِ الْكُفَّارِ بِكُفْرِهِمْ بِالْقُرْآنِ، وَذَلِكَ بُعْدَهُمْ مِنْهُ وَمِنَ الْإِيمَانِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى وَأَشْبَهُ بِقَوْلِهِ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} أَنْ يَكُونَ مِنْ سَبَبِ مَا هُوَ فِي سِيَاقِهِ مِنَ الْكَلَامِ، مَا لَمْ يَأْتِ بِمَعْنَى يُوجِبُ صَرْفَهُ عَنْهُ، أَوْ يَكُونُ عَلَى انْصِرَافِهِ عَنْهُ دَلِيلٌ يُعْلَمُ بِهِ الِانْصِرَافُ عَمَّا هُوَ فِي سِيَاقِهِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ، أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ، أَيًّا مَا تَدْعُوَا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، وَلَا تَجْهَرْ يَا مُحَمَّدُ بِقِرَاءَتِكَ فِي صَلَاتِكَ وَدُعَائِكَ فِيهَا رَبَّكَ وَمُسَأَلَتِكَ إِيَّاهُ، وَذِكْرِكَ فِيهَا، فَيُؤْذِيكَ بِجَهْرِكَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ، وَلَا تُخَافِتْ بِهَا فَلَا يَسْمَعُهَا أَصْحَابُكَ {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} وَلَكِنِ الْتَمِسْ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ طَرِيقًا إِلَى أَنْ تُسْمِعَ أَصْحَابَكَ، وَلَا يَسْمَعُهُ الْمُشْرِكُونَ فَيُؤْذُوكَ. وَلَوْلَا أَنَّ أَقْوَالَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مَضَتْ بِمَا ذَكَرْتُ عَنْهُمْ مِنَ التَّأْوِيلِ، وَأَنَا لَا نَسْتَجِيرُ خِلَافَهُمْ فِيمَا جَاءَ عَنْهُمْ، لَكَانَ وَجْهًا يَحْتَمِلُهُ التَّأْوِيلُ أَنْ يُقَالَ: وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ الَّتِي أَمَرْنَاكَ بِالْمُخَافَتَةِ بِهَا، وَهِيَ صَلَاةُ النَّهَارِ لِأَنَّهَا عَجْمَاءُ، لَا يُجْهَرُ بِهَا، وَلَا تُخَافِتْ بِصَلَاتِكَ الَّتِي أَمَرْنَاكَ بِالْجَهْرِ بِهَا، وَهِيَ صَلَاةُ اللَّيْلِ، فَإِنَّهَا يُجْهَرُ بِهَا {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} بِأَنْ تَجْهَرَ بِالَّتِي أَمَرْنَاكَ بِالْجَهْرِ بِهَا، وَتُخَافِتَ بِالَّتِي أَمَرْنَاكَ بِالْمُخَافَتَةِ بِهَا، لَا تَجْهَرْ بِجَمِيعِهَا، وَلَا تُخَافِتْ بِكُلِّهَا، فَكَانَ ذَلِكَ وَجْهًا غَيْرَ بَعِيدٍ مِنَ الصِّحَّةِ، وَلَكِّنَا لَا نَرَى ذَلِكَ صَحِيحًا لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى خِلَافِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَيَّةُ قِرَاءَةٍ هَذِهِ الَّتِي بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ؟ قِيلَ: حَدَّثَنِي مَطَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثَنَا قُتَيْبَةُ، وَوَهَبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَا ثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ سَلِيمٍ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ هِلَالٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدِ اللَّهِ: لَمْ يُخَافِتْ مَنْ أَسْمَعَ أُذُنَيْهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْأَشْعَثِ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقُلْ) يَا مُحَمَّدُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} فَيَكُونُ مَرْبُوبًا لَا رِبًّا، لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْبَابِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} فَيَكُونُ عَاجِزًا ذَا حَاجَةٍ إِلَى مَعُونَةِ غَيْرِهِ ضَعِيفًا، وَلَا يَكُونُ إِلَهًا مَنْ يَكُونُ مُحْتَاجًا إِلَى مُعِينٍ عَلَى مَا حَاوَلَ، وَلَمْ يَكُنْ مُنْفَرِدًا بِالْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} يَقُولُ: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَلِيفٌ حَالَفَهُ مِنَ الذُّلِّ الَّذِي بِهِ، لِأَنَّ مَنْ كَانَ ذَا حَاجَةٍ إِلَى نُصْرَةِ غَيْرِهِ، فَذَلِيلٌ مَهِينٌ، وَلَا يَكُونُ مِنْ كَانَ ذَلِيلًا مَهِينًا يَحْتَاجُ إِلَى نَاصِرٍ إِلَهًا يُطَاعُ {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} يَقُولُ: وَعَظِّمْ رَبَّكَ يَا مُحَمَّدُ بِمَا أَمَرْنَاكَ أَنْ تُعَظِّمَهُ بِهِ مِنْ قَوْلٍ وَفِعْلٍ، وَأَطِعْهُ فِيمَا أَمَرَكَ وَنَهَاكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِيقَوْلِهِ {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} قَالَ: لَمْ يُحَالِفْ أَحَدًا، وَلَا يَبْتَغِي نَصْرَ أَحَدٍ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَلِّمُ أَهْلَهُ هَذِهِ الْآيَةَ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} الصَّغِيرُ مِنْ أَهْلِهِ وَالْكَبِير». حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، قَالَ: ثَنَا أَبُو الْجُنَيْدِ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ التَّوْرَاةَ كُلَّهَا فِي خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، ثُمَّ تَلَا {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنِ الْقُرَظِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا}.... الْآيَةَ. قَالَ: إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالُوا: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا، وَقَالَتِ الْعَرَبُ: لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ، إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ، وَقَالَ الصَّابِئُونَ وَالْمَجُوسُ: لَوْلَا أَوْلِيَاءُ اللَّهِ لَذُلَّ اللَّهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ} أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ عَلَى مَا يَقُولُونَ (تَكْبِيرًا). آخَرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
|